انتشار ظاهرة الوشم في اوساط الشباب بالمغرب عيادات خاصة في عديد المدن المغربية للوشم يقبلها عليها الشبان والفتيات

 

 

تحقيق وصور بدر الدين عتيقي // المغرب

 

 

الرباط // المغرب // الزمن التونسي

انتشرت،

خلال السنوات الأخيرة، ظاهرة الوشم في صفوف الشباب من الجنسين وأضحت أجساد فئات عريضة منهم موصومة بالكثير من الرسومات، والكلمات والعبارات التي تحمل رسائل ومعاني تعبر عن شخصية حاملها أو عن ميولاته.
في أحد الأحياء الراقية في الدار البيضاء، تكشف المدينة عن هويتها الأوروبية. وجوه وملابس أنيقة. لغو وحديث منمق يمزج العربية الدارجة بالفرنسية تارة والإنجليزية تارة أخرى. وأصوات القهقهات

، تخترق المقاهي المنتشرة في المكان لتملأ شوارع الحي.
الباحثات عن “وشم”

خلف أحد النوادي الرياضية المكتظة صباحا بالنسوة المهووسات بالرشاقة والمنظر الحسن. هناك حجرة صغيرة، تنزوي بها شابة ترتدي وزرة بيضاء، توحي للوهلة الأولى بأنها طبيبة أو ممرضة. منظر الحجرة وما تضمه من مستلزمات أقرب إلى المعدات الطبية يوحي بأنها قاعة طبية، إلا أن موقعها وحجمها الصغير، يضفي نوعا من الغموض على النشاط المخصص فيها.

تبددت الشكوك بعد لحظات، حين توجهت سيدة في منتصف الثلاثينات إلى الغرفة، طالبة مساعدة الشابة هناك. كشفت السيدة عن ذراعها الأيسر وأزالت عنه لفافة بلاستيكية، ليبرز وشم صغير على شكل زهرة. قامت الفتاة بعدها باستخراج قارورة تحمل سائلا لزجا وأخذت تمرره بشكل متكرر على منطقة الوشم. تقول مريم، “رشامة” بتحفظ ” الوشم أصبح موضة رائجة هذه الأيام والنساء يحاولن مسايرة الموضة “.

مريم الشابة الجامعية التي تملك تكوينا في مجال التمريض، استلهمت مهارتها في “الرشم” كما تقول من والدتها التي كانت تمارس العملية بواسطة الحناء لصالح نساء العائلة.

تطورت أساليب “الرشم” ووسائله، ومريم استخدمت الحديثة منها لتتفنن في وصم النساء حسب الطلب بأوشام عصرية قد تختلف مدة بقائها على جلد المرأة. تقول حياة، الفتاة العشرينية وهي إحدى زبونات مريم، ضاحكة “لا أستطيع أن أضع وشما كبيرا لمدة طويلة على جسدي، أفضل الوشم المؤقت لأنه يندثر بسرعة ويترك لك خيار تجربة وشم آخر”.

عملية الوشم تعتمد على مواد كيميائية مستوردة، تمزج فيما بينها بدقة حسب نوعية الوشم وقوته ومدة ثباته على الجلد. ثم يتم تفريغ الخليط الكميائي في قمع صغير مثبت على مسدس معدني. قبل ذلك يجري تحديد معالم الوشم بدقة بواسطة الحبر.

تبدأ عملية الوشم ببطء، وتسبب للزبون آلاما مبرحة، إلا أن هذا الأمر لا يثنيه عن المواصلة. لذة غريبة تجدها هؤلاء النسوة في الإحساس بهذا الألم، حول هذا تعلق حياة مسترسلة في ضحكها، ” لي بغا العسل يصبر لقريص النحل”.

تتحمل الباحثات عن الموضة الألم وتثابرن في سبيل الحصول على وشم، صار معيارا آخر من معايير الجمال، وأصبح “المتخصصون” في وضعه معروفين في أوساط المهووسين بهاته الموضة.

“رشامة” غير مؤهلون

المتخصصون في فن الوشم أو”الرشامة” كما يعرفهم المنطوق الشعبي، هم أناس يمتلكون مهارة في رسم الأشياء وتثبيتها على جلد الإنسان، يستخدمون لأجل ذلك مجموعة من المواد الكيميائية أو الطبيعية.

تطورت هذه العملية بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة في المغرب وأصبحت عملية “الوشم” تتم وفق الطريقة الأمريكية، التي تعتمد بشكل خاص على مهارة وحسن تكوين “الرشام” أو الشخص الذي يجري عملية الوشم.

مريم، “الرشامة” التي تمارس نشاطها منذ مدة تعترف بأنها لم تتلق أي تكوين في إنجاز “الوشم”، بل اكتفت بمهارتها في رسم الأشكال فيما تعلمت كيفية استخدام المعدات الحديثة من أحد الأجانب الذي كان يعمل في النادي الرياضي كمدرب لياقة بدنية.

غياب التكوين في إجراء مثل هذه العملية، يضع صحة الزبون في خطر، خصوصا إذا لم تراع خصائص التعقيم وسلامة المواد المستخدمة من التلوث. تقول مريم بنبرة عازمة “أقوم بتعقيم كل المعدات قبل استخدامها، أما المواد المستعملة في عملية “الوشم” فهي شائعة حتى في أوربا”.

شيوع هذه المواد الكيميائية في أوروبا لا يعني بالضرورة خلوها من أي مخاطر على صحة الزبون، الشيء الذي تؤكده مجموعة من الدراسات، حيث

حذرت دراسة طبية أمريكية حديثة صدرت مؤخرا من أن رسم الوشم يساهم بصورة كبيرة فى الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي وعدد من أمراض الدم الخطيرة. وأكدت الدراسة انتقال فيروس الكبد الوبائي بصورة مباشرة عن طريق الوشم نتيجة عدم تغير الأدوات المستخدمة في عمليات الوشم وسوء التعقيم. لقد قام الباحثون بتحليل النتائج المتوصل إليها في أزيد من 124 دراسة أجريت بنحو 30 دولة، شملت عدة بلدان، ضمنها كندا وإيطاليا والبرازيل والولايات المتحدة.
أوشام صينية

مخاطر “الوشم” لم تؤثر بشكل كبير على إقبال النساء والرجال عليه، حيث انتشرت في الآونة الأخيرة نقاط تقدم خدمات صنع الأوشام عبر أرجاء المدينة، إلا أنها غير ظاهرة للعيان.

هذا الانتشار خلق تفاوتا وتراتبية فيما يخص نوعية الأوشام وثمنها وكذا زبنائها. تقول مريم “الرشامة” وهي تعكف على وصم إحدى زبوناتها بوشم جديد، “إن بعض الأوشام تكلف أصحابها زهاء الـ10 آلاف درهم وطبعا هذا السعر يتوقف على نوعية المواد المستخدمة وحجم الوشم وتصميمه”.

جودة المواد المستخدمة كانت عاملا مغريا في توجه الصناع الصينيين إلى العمل في هذا القطاع، عبر ابتكار ملصقات أوشام ذاتية الاستعمال قد تبدو كمثيلاتها الحقيقية وتسهل إزالتها عن الجسد.

رداءة المواد المستخدمة في الأوشام الصينية تسببت في مجموعة من المضاعفات السلبية لمستخدميها، كحالة حنان، إحدى زبائن مريم، التي تحكي عن التجربة بغصة “استخدمت أحد الملصقات الصينية لأضع وشما على كاحلي خلال الصيف الماضي، إلا أنني فوجئت بعد ذلك بطفح جلدي في مكان الملصق”.

الجودة كما أكدت مريم تلعب دورا حاسما في تحديد تكلفة الوشم، إلا أنها لم تمنع من الاستفادة منه مقابل 400 أو 700 درهم في أماكن “أقل” رقيا.

الوشم قيمة غربية

اختلاف تكلفة الوشم وانتشاره بشكل مستتر، يحيل بالضرورة على عدم ارتياح المجتمع ورضاه عن الظاهرة، ففي الوقت الذي حرم فيه الدين الإسلامي بشكل قاطع مثل هذا النوع من الممارسات، كان للبحث الاجتماعي تفسير آخر لأسباب ظاهرة الوشم في المجتمع، أو بالأحرى عودة الظاهرة إلى المجتمع المغربي بصورة وأسباب أخرى. وفي هذا الصدد يفسر علي شعباني، الباحث في علم الاجتماع، كيف أضحى عدد من الشباب يقلد ظاهرة “الوشم”، التي اعتبرها قيمة غربية ودخيلة على المجتمع المغربي، من خلال ما يشاهده هؤلاء الشباب عبر وسائل الاتصال الأكثر رواجا الآن، كالتلفزيون والإنترنيت. ويواصل شعباني حديثه “إن إقبال الشباب على الأوشام هو نتيجة تعرضهم للإستيلاب، فما يشاهده الشباب بالنسبة إلى النجوم، سواء في مجالات الرياضة والفن وغيرها، يقومون بتقليده عبر وشم مختلف أعضاء جسمهم”، مؤكدا “أن الشباب لم يكن ولن يكون بمنأى عن تأثيرات هذه الظاهرة”. وذكر الباحث في علم الاجتماع في ما يخص انعكاسات هذه الظاهرة، أن شباب اليوم “باتوا يتجاوزون سلطة الآباء، من خلال كثير من القيم الجديدة، التي أصبحت لها قوة في المجتمع، والتصرف في الجسد، وغيرها”، مشيرا إلى أن هذه القيم الجديدة “أضحى الشباب يفرضها كسلطة على الآباء وعلى قيم المجتمع التي كانت سائدة في ما سبق”.

على مستوى آخر، يفسر العربي أحنجير، الطبيب النفساني والمتخصص في اضطرابات السلوك، أن الإقبال على وضع الأوشام، لا يمكن تصنيفه ضمن خانة ال

نفسي، إلا أنه يجد تفسيرا من الناحية السلوكية بارتباطه ببعض الأمراض النفسية أو المراحل العمرية التي يمر منها الإنسان كمرحلة المراهقة مثلا.
ويضيف أحنجير، أن عملية وصم الجسد بـ”الوشم” تأتي كنتيجة لتراكمات نفسية معينة وتعطي للمرء إحساسا مؤقتا بالتحرر والرضا عن النفس.

هذه العوامل الاجتماعية والنفسية لا تقدم تفسيرا شافيا حول سر إقبال المغاربة من جديد على وضع الأوشام وسر تقديرهم لها كجزء من هويتهم الثقافية، ما دفع السينمائي المغربي

لحسن زينون في أحدث أفلامه “موشومة” إلى طرح الظاهرة وإخراجها إلى دائرة الاهتمام المجتمعي.
++++++++++++++++++++++     +++++++++++++++++

إطار:

نوستالجيا “الوشم ” في المغرب

 

الوشم بالعربية أو “تكاز” بالأمازيغية ليس مجرد متعة وزينة استعملتها المرأة المغربية في زمن معين، بل إن لهذا الوشم ارتباطا عميقا بما هو هوياتي واجتماعي، وكان كفيلا بصناعة لغة جسد جميلة تخاطب الآخر ببلاغة جديدة.

ويدخل الوشم حسب مجموعة من الدراسات الأنتربولوجية ضمن آداب السلوك الاجتماعي، حيث يرتبط بالجسد الموشوم وبحياته، ويموت بموته، كما يشكل جسرا للربط بين ماهو روحي ومادي في الجسد ذاته.

وللوشم أيضا رمزية اجتماعية وسياسية قوية، فهو يشكل أساس الانتماء الاجتماعي وركيزة الإحساس بالانتماء الموحد، والشعور بالهوية المشتركة والتي ساهمت في ضمان حد كبير من التناغم بين كافة أطراف القبيلة.

كما أن الوشم يشير إلى هوية واضعه وانتمائه القبلي، ولأن الوشم يكتسي أبعادا سلوكية أخرى فهو يهدف إلى إبراز مفاتن المرأة وأنوثتها، حيث يتحول إلى خطاب يتوجه نحو الآخر ويوظف لإيقاظ الشهوة فيه وإغرائه وإثارته جنسيا.

 

أضف تعليق

موقع ويب تم إنشاؤه بواسطة ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑